دعوة للتأمل
وهو العليم العالم بالسر والعلانية، فالسر عنده علانية.
فهو العليم أحاط علما بالذي *** في الكون من سر ومن إعلان
وهو العليم بما يوسوس عبده *** في نفسه من غير نطق لسان
بل يستوي في علمه الداني *** مع القاصي وذو الإصرار والإعلان
فهو العليم بما يكون غدا وما *** قد كان والمعلوم في ذا الآن
وبكل شي لم يكن لو كان كيف *** يكون موجودا لذي الأعيان
فهو السميع يرى ويسمع كل ما *** في الكون من سر ومن إعلان
فلكل صوت منه سمع حاضر *** فالسر والإعلان مستويان
والسمع منه واسع الأصوات لا *** يخفى عليه بعيدها والداني
ويري دبيب النمل في غسق الدجى *** ويرى كذاك تقلب الأجفان
لهو البصير يرى دبيب النملة *** السوداء تحت الصخر والصوان
ويرى مجاري القوت في أعضائها *** ويرى نياط عروقها بعيان
ويرى خيانات العيون بلحظها *** إي والذي برأ الورى وبراني
فهو الحميد فكل حمد واقع *** أو كان مفروضا على الأزمان
هو أهله سبحانه وبحمده *** كل المحامد وصف ذي الإحسان
فلك المحامد والمدائح كلها *** بخواطري وجوارحي ولساني
ولك المحامد ربنا حمدا كما *** يرضيك لا يفنى على الأزمان
ملء السماوات العلا والأرض *** والموجود بعد ومنتهى الإمكان
مما تشاء وراء ذلك كله *** حمدا بغير نهاية بزمان
وعلى رسولك أفضل الصلوات *** والتسليم منك وأكمل الرضوان
صلى الإله على النبي محمد *** ما ناح قمري على الأغصان
وعلى جميع بناته ونسائه *** وعلى جميع الصحب والإخوان
وعلى صحابته جميعا والألى *** تبعوهم من بعد بالإحسان
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أحبتي في الله، إنها دعوة، دعوة إلى التأمل، دعوة موجهة إلى القلوب الذاكرة، العابدة، الخاشعة، دعوة إلى من يتفكرون، ويسمعون، ويعقلون، ويؤمنون، ويفقهون، إلى أولي الألباب، إلى أولي الأبصار، إلى أولي الأحلام والنهى، إلى من يتأملون، ويتدبرون فينتفعون، فلا عند حدود النظر المشهود للعيان يقفون، بل إلى قدرة القادر في خلقه ينظرون، ولسان حالهم ومقالهم: (لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وكذلك يفعلون. وهي كذلك دعوة إلى الغافلين، الساهين، اللاهين، المعرضين، إلى من لهم عيون بها لا يبصرون، وآذان بها لا يسمعون، وقلوب بها لا يفقهون. إلى من هم كالأنعام يأكلون ويشربون ويتمتعون ولم يحققوا معنى إلا ليعبدون. إلى من هاجموا التوحيد ولم يفهموه، وهاجموا الإسلام ولم يعرفوه، ونقدوا القرآن ولم يقرؤوه. إلى من يمرون على آيات الله وهم عنها معرضون، إليهم هذه الدعوة؛ علهم يستيقظون، ويفقهون، ويعقلون، فيقدرون الله حق قدره، لا إله إلا هو فأنى يؤفكون. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) إنها باختصار دعوة إلى العلم بالله علما يقود إلى خشيته ومحبته، فمن كان به أعلم كان له أخشى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وهي أيضا دعوى لتعبد الله بمقتضى ذلك العلم، في تمام خضوع وذل ومحبة من طريقين اثنين؛ الأول: التدبر في آيات الله الشرعية المتلوة في كتابه العزيز، والثاني: النظر في مخلوقات الله، وآياته الكونية المشهودة (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)
والحق شمس والعيون نواظر *** لا يختفي إلا على العميان
والشرع والقرآن أكبر عدة *** فهما لقطع لجاجهم سيفان
تابع الموضوع يرحمك الله