تـاريخ الطـب :
مكامن الضعف في الشخصيات الأسطـورية
الدكتورمحمد علي البار
وتر أخيل هو وتر عضلة الساق ( بطة الساق أو بطن الساق ) .. وتعرف عضلة بطن الساق باسم العضلة التوأمية . وتنشأ برأسين يبتدئان من الفخذ ثم يتحدان ليكونا العضلة الظاهرة في الساق من الخلف ، وتنتهي هذه العضلة بوتر عريض متين هو الوتر العقبي . وهو الوتر المشهور باسم وتر أخيل .. ويستخدم هذا الوتر لمتانته وقوته لتعليق الأغنام والشياه والماعز بعد ذبحها لسلخها .
وأخيل هذا هو بطل أسطوري ، وله دور كبير في حرب طروادة التي ألحق الإغريق فيها هزيمة نكراء بأهل طروادة بعد حروب طويلة . وأخيل حسب الأسطورة التي استخدمها الشاعر الإغريقي هوميروس في الإلياذة هو ابن الملك بيلوس ملك ميرميدون ، أما أمه فهي من حوريات البحر وكانت تدعى ثيتس . وتقول الأسطورة ( خارج نطاق الإلياذة ) أن أمه قد غمرته في نهر سيتكس ليكتسب القوة وتحميه من الأذى ، ولكنها حين غمرته كانت ممسكة بعقبه من الوتر ، فكان هذا المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء ، وبالتالي كان نقطة الضعف فيه .
وقد تنبأ العراف للملك وزوجته الحورية بأن ابنهما سيقتل في معركة طروادة ، فما كان منهما إلا أن أخفيا الولد ، وألبساه ثياب الفتيات ، وأرسلاه لصديقهما الملك لوكوميدس ليعيش معه في قصره كأحد بناته في جزيرته النائية المعروفة باسم سيكاروس .
وقامت الحرب بين طروادة والإغريق ، وكان الفشل حليف اليونان أول الأمر ، ولما علموا بأن أخيل هو الذي سيحقق لهم النصر حسب نبوءة أحد الكهنة ، قاموا بالبحث عنه حتى وجدوه . واستطاع الداهية أوديسيوس أن يعثر على أخيل وعرض عليه الأسلحة والخيول فتحرك نفس أخيل لها ، وانضم إلى جيش اليونان الذي كان قائده الأعلى أجا منون .
واستطاع أخيل أن يحقق انتصارات باهرة لجيش أجا منون طوال تسع سنوات من الحرب الضروس . واستولى على 12 مدينة من مدن أهل طروادة ولكن أجا منون أخذ كريسيس الفتاة الجميلة لنفسه ، ورفض أن يعيدها لوالدها . وقد حذر كاهن معبد أبولو ( إله الشباب والجمال لديهم ) الذي قام بدوره بنشر الوباء في معسكر أجا منون . واحتدم الخلاف بين أخيل الذي كان يرى أن تعاد الفتاة لوالدها ، بينما كان أجا منون مصرا على موقفه ، وذلك ما حدا بأخيل لاعتزال المعركة ، وآنذاك بدأت الهزائم تنهال على الجيش .
وعندما رأى باتركلس – صديق أخيل الأثير لديه – هزائم قومه ، حاول أن يدفع أخيل للقتال مرة أخرى ، ولكن أخيل رفض ذلك ، فطلب باتروكس من صديقه أن يعطيه سلاحه ومركبته حتى يرعب بها الأعداء فوافق أخيل على ذلك . وفي المعركة قام هيكتور ابن ملك طروادة بقتل باتروكس ظانا أنه قتل أخيل نفسه . ولما علم أخيل بقتل أعز أصدقائه صمم على الانتقام من هيكتور ، حتى استطاع أن يلحق الهزيمة بالطرواديين وأن يقتل هيكتور . وأخيرا وقف الإله أبولو حسب زعمهم مع الطرواديين وحث باريس شقيق هيكتور على أن يصوب سهمه نحو وتر أخيل فمزقه وبذلك سقط أخيل وأمكن قتله . ويستعمل لفظ وتر أخيل في الثقافة والآداب الأوروبية للكناية عن نقطة الضعف في الشخص المعين ، فإذا ضرب أو قطع وتر أخيل ، فقد أصيب ذلك الشخص في أضعف نقطة من جسده . وللأسف فإن الكتاب العرب بما في ذلك الموسوعة العربية العالمية تسمي وتر أخيل كعب أخيل ، وقد أوضحنا في مقال سابق أن الكعب يطلق خطأ على العقب .
شمسون الجبار :
أما شمسون الجبار فهو أحد الشخصيات الأسطورية الواردة في سفر القضاة من أسفار العهد القديم . فقد جاء في الإصحاح الثالث عشر من سفر القضاة قصة مولد شمسون بن منوح حيث تزعم القصة أن ملاك الرب ظهر لامرأة منوح العاقر ، وقال لها : " ها أنت عاقر لم تلدي ، ولكنك تحبلين ابنا – والآن فاحذري ، ولا تشربي خمرا ولا مسكرا ، ولا تأكلي شيئا نجسا . فها إنك تحبلين وتلدين ابنا ، ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرا لله " . والمنذور لله لا يحلق شعره عندهم . فولدت المرأة شمسون فكبر الصبر وباركه الرب ، وصار الصبي قويا جدا بحيث أنه شق أسدا اعترضه في الطريق على نصفين . وطلب الفتى بعد أن كبر أن يتزوج من امرأة فلسطينية من مدينة تمنه . وحاول والداه أن يمنعاه من ذلك ولكنه أصر . وتقدمت الأسرة للزواج ووافق الفلسطينيون . وأولم شمسون وليمة ، ولكنه عرض على الفلسطينيين أحجية ، وقال لهم : من الأكل خرج أكل ومن الجافي خرج حلاوة . ويقصد ما رآه بعد أن شق الأسد ، حيث وجد النحل قد سكن جثة الأسد ، وضع فيها عسلا فأخذ شمسون العسل . ثم أحب شمسون امرأة فلسطينية تدعى دليلة ، فصعد إليها أقطاب الفلسطيني وقالوا لها تملقيه واعرفي قوته العظيمة ؟...
فحاولت دليلة مرارا ذلك ، وهو يكذب عليها كل مرة ، وفي النهاية أخبرها أن قوته في شعره ، حيث أنه لم يحلقه منذ ولادته . هكذا أمر الرب فلما نام شمسون جزت شعره وأحاط به الفلسطينيون ، وذهبت عنه قوته ، وأوثقوه بالسلاسل وأذلوه في السجن ..
وهكذا تصور التوراة المحرفة رجل الله بأنه زان ، وقاتل ومفسد في الأرض يهلك الحرث والنسل ، ثم قامت هوليود بإنتاج فيلم شهير أسمته " شمسون ودليلة " وعرضت فيه بطولات شمسون بصورة مبالغة ، وأوجدت له العذر في كل جرائمه ، وجعلته مثلا أعلى تتجلى فيه البطولة والقوة والإخلاص .